العودة
كانت مرحة بطبعها.. طيبة القلب.. وإن كان عليها بعض المخالفات الشرعية.. فهي متأثرة جدًا بالبيئة التي تعيشها.. أقاربها من حولها كثيرون.. دائمًا يجتمعون في إحدى الاستراحات أو المزارع.. خاصة في المناسبات.. ضياع وقت.. كلام لا نفع منه.. بل غيبة ومزاح ساخر لهو ولعب.. تهاون بالحجاب إلى غير ذلك من المنكرات المتفشية بينهم.. كانت هذه الفتاة تميل أحيانًا إلى الالتزام.. ثم تلبث أن تعود إلى سالف عهدها..
ذات يوم وعندما كانت إحدى المعلمات في المدرسة تلقي محاضرة عن الموت وسوء الخاتمة.. اقشعر جلد هذه الفتاة.. وخشع قلبها فانقشعت الغمة.. واستعرضت شريط حياتها.. تذكرت تلك الأيام التي ضيعتها هباًء وهدرًا.. آه.. كم من اللحظات مرت دون أن أنتفع منها لآخرتي.. بل معاصٍِِ ومنكرات .. أه يا نفسي.. كم أغراني الشيطان وأغرى الكثيرين معي.. أخذت تعاتب نفسها.. تلومها.. توبخها.. حينها أعلنت قوية مدوية.. يكفي يا نفس ما ضاع من العمر.. إذا لم أغتنم شبابي قبل هرمي فمتى الجد والعمل؟ ..
بدأت بنفسها.. أزاحت عن كاهلها ثقل المعاصي.. توجهت وبصدق إلى خالقها تعلن توبتها وندمها على ما فات.. لازمت رفقة طيبة كن لها نعم العون بعد الله.. بدأت في جمع شتات نفسها المبعثرة في أدوية الدنيا.. أصبح لنا نشاط دعوي ملموس بين زميلاتها.. بل وعلى نطاق واسع.. المنزل.. الأهل.. الأشقاء.. الأقارب.. إنهم في أمس الحاجة إلى.. إنهم في غفلة كما كنت.. إنهم بحاجة إلى من يوقظهم من سباتهم العميق وينفض عنهم غبار الغفلة والبعد عن الله..
كانت البداية مع أخواتها.. كانت ودودة مع والديها.. مما جعل لها مكانة في نفسيهما.. زاد ودها وحنانها لهما بعد تمسكها.. فأمامها مهمة دعوتها.. وهما أساس البيت.. بدأت ترشد وتنصح.. توجه وتحذر.. عانت في البداية من استهزاء وسخرية البعض.. بل إنهم اعتزلوها.. كانت تلاطفهم.. تدعوهم بالحسنى.. أخذت تهديهم الكتاب الإسلامي والشريط النافع.. وفوق هذا وذاك كانت نعم القدوة بسلوكها وجميل معشرها.. لم تيأس.. لم تبال.. تردد في نفسها: الرسول عانى و قاسى أكثر من ذلك.. دعا قومه.. لم يكل ولم يمل.. يفتح الله على قلب بعض أفراد أسرتها فكانوا يدًا معها للدعوة إلى الله.. أما أقاربها فقد سرت دعوتها بينهم بعد فترة من الزمن.. تأثرت بيوت كثيرة بفضل الله ثم بنصحها وتوجيهها..
والآن مازالت تلك الاجتماعات المعهودة بين أقاربها.. ولكن أصبحت جلساتهم توجيهية.. ووعظية.. حلق ذكر.. مسابقات نافعة.. تعدها مجموعة من الفتيات وعلى رأسهم تلك الفتاة الناصحة.. حقًا؛ إنه العمل الطيب المثمر والتجارة الرابحة وربح البيع.. ربح البيع..